الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وعن مالك بن دينار: إنك إن تنقل الحجارة مع الأبرار خير من أن تأكل كل الخبيص مع الفجار. {لنثبت به فؤادك} بأن نخلق قلبك بقلب القرآن وكان بذر التوحيد أوقع في قلب النبي صلى الله عليه وسلم في سر {ألم نشرح لك صدرك} [الشرح: 1] وكان يتربى بما أنزل عليه بل على قلبه منجمًا، فلما أورق كان ورقه {الرحمن علم القرآن} [الرحمن: 1] فلما أزهر كان زهره {فأوحى إلى عبده ما أوحى} [النجم: 10] فلما أثمر كانت ثمرته {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19] {يحشرون على وجوههم} لأن توجههم إلى أسفل سافلي الطبيعة فيحشرون منكوسين إلى جهنم البعد عن الحضرة {الم تر إلى ربك} فيه أن نبينا صلى الله عليه وسلم رآه وقد قال لموسى {لن تراني} [الأعراف: 143] وذلك البقاء أنانيته {كيف مدّ الظل} عالم الأجسام {ولو شاء لجعله ساكنًا} في كتم العدم {ثم جعلنا} شمس عالم الأرواح على وجود ذلك الظل دليلًا بأن كانت محركة لها إلى غاياتها المخلوقة هي لأجلها، فعرف من ذلك أنه لولا الأرواح لم تخلق الأجساد ولم تتكون بالأجسام. وفي قوله: {ثم قبضناه إلينا} إشارة إلى أن كل مركب فإنه سيحل إلى بسائطه إذا حصل على كماله الأخير. وبوجه آخر الظل ما سوى نور الأنوار يستدل به على صانعه الذي هو شمس عالم الوجود وهذا شأن الذاهبين من غيره إليه. وفي قوله: {ثم جعلنا} إشارة إلى مرتبة أعلى من ذلك وهي الاستدلال به على غيره كقوله: {أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} [فصلت: 53] وهذه مرتبة الصديقين. وقوله: {ثم قبضناه} كقوله: {كل شيء هالك} [القصص: 88] {ألا إلى الله تصير الأمور} وبوجه آخر الظل هو حجاب الذهول والغفلة والشمس شمس التجلي المعروفة من افق العناية عند صباح الهداية: {ولو شاء لجعله} دائمًا لا يزول وإنما يستدل على الذهول بالعرفان. وفي قوله: {ثم قبضناه} إشارة إلى أن الكشف التام يحصل بالتدريج عند انقضاء مدة التكليف. ثم بين حكمة الإظلال بقوله: {وهو الذي جعل لكم} ليلة البشرية {لباسًا} كيلا تحترقوا بدوام شمس تجلي الربوبية، وجعل ليوم الغفلة راحة بعد سطوة التجلي، وجعل نهار العرفان نشورًا أي حياة بنور الربوبية {وهو الذي أرسل} رياح الإشراق على قلوب الأحباب فتزعجها من المساكنات عند الستر فلا تستقر إلا بالكشف والتجلي {وأنزلنا} من سماء الكرم {ماء} حياة العرفان الذي يطهر قلوب المشتاقين عن الجنوح إلى المساكنات وما يتداخلها في بعض الأوقات من الغفلات {لنحيي به بلدة} القلوب اليمتة عن نور الله بنور الله {ونسقيه} من جملة مخلوقاتنا من هو على طبع الأنعام لغلبة الصفات الحيوانية عليه فيسقي زرع إيمانه بماء الرحمة والذكر كما قال صلى الله عليه وسلم «لا إله إلا الله تنبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء البقلة» ونسقيه من الأنس من سكن إلى رياض الأنس يفطمه به عن مراضع الإنسانية إلى المشارب الروحانية، ويطهره عن وصمة الملاحظات ويذيقه طع المكاشفات. {ولقد صرفنا} الذي هو ماء حياة القلوب بينهم {ليذكروا} به أيام جوار الحق وأوطانهم الحقيقية {فأبى أكثر} الناسين تلك المعاهدة والمشاهدة {إلا كفورًا} بنعمة القرآن وما عرفوا قدرها والله المستعان وإليه المآب. اهـ.من الإعجاز العلمي فِي القرآن للدكتور زغلول النجار:بحث بعنوان: من أسرار القرآن:
.الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزى دلالتها العلمية: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا}. بقلم الدكتور: زغلول النجار.هذا النص القرآني المعجز جاء في مطلع الثلث الأخير من سورة الفرقان، وهي سورة مكية، وآياتها سبع وسبعون، وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بتعظيم الله وتمجيده، الذي أنزل القرآن الكريم علي خاتم أنبيائه ورسله، ليكون للعالمين نذيرا، وفارقا بين الحق والباطل في أمور الدين بركائزه الأساسية: العقيدة، والعبادة، والأخلاق، والمعاملات، وهي من القضايا التي لايمكن للإنسان- مهما أوتي من أسباب الذكاء والفطنة- أن يضع لنفسه فيها ضوابط صحيحة.وبما أن القران الكريم هو آخر الرسالات السماوية، وأتمها، وأكملها، فقد تعهد ربنا تبارك وتعالي بحفظه حفظا كاملا: كلمة كلمة، وحرفا حرفا، بنفس لغة الوحي: في صفائه الرباني، وإشراقاته النورانية، وصدق انبائه في كل ماجاء به، ليبقي إلي قيام الساعة فارقا بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر، ومن هنا كانت تسمية هذه السورة الكريمة.....!!ويدور المحور الرئيسي لسورة الفرقان حول قضية العقيدة، ومن ركائزها التوحيد الخالص لله الخالق، والإيمان به، وبملائكته، وكتبه ورسله، وباليوم الآخر.وتؤكد السورة الكريمة أن لله ملك السماوات والأرض، وأنه تعالى لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، وأنه سبحانه خلق كل شيء فقدره تقديرا، بحكمته، ووفق إرادته؛ وعلي الرغم من وضوح تلك الحقيقة، فإن كثيرا من الخلق المكلف قد اتخذ من دونه آلهة لايخلقون شيئا وهم يخلقون، ولايملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، ولايملكون موتا ولا حياة ولانشورا وتنعي سورة الفرقان علي هؤلاء الكافرين- قدامي ومعاصرين- تشككهم في نبوة رسول الله صلي الله عليه وسلم، وفي الكتاب الذي أنزل إليه، وتكذيبهم بالآخرة، وتطاولهم علي الله ورسوله، بطلب الخوارق من المعجزات حتي يؤمنوا، من مثل طلب إنزال الملائكة، أو رؤية الله جهرة.، أو إلقاء كنز من السماء لرسول الله صلي الله عليه وسلم، أو أن تكون له جنة يأكل منها، وعلي الرغم من أنه لم يحقق لهم شيئا من ذلك فقد اتهموه شرفه الله بالسحر، وبترديد أساطير الأولين، وتأمره السورة الكريمة بمقابلة تلك الدعاوي الباطلة بترديد قول الحق تبارك وتعالي: {قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما} [الفرقان:6].وتعرض سورة الفرقان لبعض مشاهد الآخرة من صور العذاب الذي يلقاه الكافرون المكذبون بالدين، وصور النعيم الذي يلقاه عباد الله المتقون، وشتان مابين الحالين...!!ومن قبيل التخفيف علي رسول الله صلي الله عليه وسلم تقرر السورة الكريمة أن جميع من سبقوه من الأنبياء والمرسلين كان لهم أعداء من المجرمين الكافرين بالله ورسالاته...، وتكرر استنكار تطاول الكافرين علي الله ورسوله باعتراضهم علي تنزل القرآن الكريم منجما، وكان كل من الكتب السابقة قد أنزل جملة واحدة.وعرضت سورة الفرقان لقصص عدد من الأمم السابقة، ولتفاعل كل من تلك الأمم مع من أرسلوا إليهم من أنبياء الله، وعما كان لذلك التفاعل من عقاب أو ثواب، وذلك من أمثال قوم موسي وهارون، وقوم نوح، وأقوام عاد وثمود، وأصحاب الرس، وقوم لوط علي نبينا وعليه السلام، وأقوام بين هؤلاء جميعا علي مر القرون الكثيرة، وتؤكد سورة الفرقان اتخاذ الكافرين لأهوائهم أربابا من دون الله لعدم استماعهم إلي كلمة الحق، أو محاولة تدبرها بعقولهم، وبذلك ينحطون بأنفسهم إلي مادون مستويات الأنعام...!! فيتطاولون علي الله تعالى بانكار وجوده....!!، وتأمر السورة رسول الله صلي الله عليه وسلم.. وبالتالي تأمر كل من تبعه من المؤمنين إلي يوم الدين- بضرورة مخالفة الكافرين، وجهادهم بالقرآن الكريم جهادا كبيرا؛ وتؤكد له أنه ما أرسل إلا مبشرا ونذيرا للناس كافة، كما تأمره بضرورة التوكل علي الله {الحي الذي لايموت} والتسبيح بحمده لأنه تعالى هو الخبير بذنوب عباده.وتنتهي سورة الفرقان إلي استعراض عدد من صفات عباد الرحمن في مقابلة رائعة بين صفات أهل الحق وصفات أهل الباطل، ودعوة من الله لعباده بضرورة التحلي بمكارم الأخلاق حتي يستحق العبد التكريم بنسبته إلي الله فيكون من عباد الرحمن.وتؤكد السورة الكريمة جزاء هذه الطائفة من خلق الله الصالحين بالخلود في جنات النعيم، في حفاوة وتكريم بالغين من الله وملائكته؛ وتنتهي سورة الفرقان بتأكيد هوان البشرية علي الله، لولا وجود تلك الطائفة من عباده الصالحين الذين يعرفون مدلول الألوهية الحقة فيجأرون إلي الله تعالى بالدعاء مخبتين...!!أما المكذبون، الكافرون، المتطاولون علي الله ورسوله، فكان لزاما علي الله سبحانه وتعالي أن يجزبهم بسوء أعمالهم ما يستحقون.هذا، وقد استشهدت سورة الفرقان علي صدق ماجاء بها من بيان بعدد كبير من الآيات الكونية التي منها مايلي:(1) أن ملك السماوات والأرض لله الواحد الأحد، الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك.(2) أن الله تعالى خلق كل شيء فقدره تقديرا.(3) أن تشقق السماء بالغمام من علامات انهيار النظام الكوني في الآخرة.(4) أن مد الظل وقبضه من الأدلة العلمية علي دوران الأرض حول محورها أمام الشمس؛ وأتبعت الآيات ذلك بتخصيص الليل للراحة والنوم والسكن، وتخصيص النهار لليقظة والجري وراء المعايش.(5) أن الله تعالى هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته، وأنه سبحانه وتعالي هو الذي ينزل من السحاب السماء ماء طهورا، ليحيي به أرضا ميتة، ويسقيه مما خلق أنعاما وأناسي كثيرا.(6) أن الله تعالى هو الذي.... مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا.(7) أن الله تعالى {هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا}.(8) أن الله تعالى {هو الذي خلق السماوات والأرض ومابينهما في ستة أيام}.(9) أن الله تعالى {هو الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا}؛ وفي ذلك تفريق علمي دقيق بين الضوء المنبثق من مصدره، والنور الناتج عن انعكاسه من فوق سطح مظلم.(10) أن الله تعالى {هو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا}؛ وفي ذلك إشارة ضمنية رقيقة إلي دوران الأرض حول محورها أمام الشمس.وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي مناقشة موضوعية خاصة بها، ولذلك فسوف يقتصر الحديث هنا علي النقطة الخامسة فقط من هذه النقاط العشر، وهي قضية إرسال الرياح مبشرات بين يدي رحمة الله، وإنزاله الماء الطهور من السماء؛ وقد سبق لنا مناقشة قضية إرسال وتصريف السحاب بإرادة الله وعلمه وحكمته، ولا أري داعيا لإعادة ذلك هنا، وعليه فسوف أقصر الحديث في هذا المقال علي إنزال الماء الطهور من السماء، وقبل الولوج في ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين السابقين في شرح هذه الآية الكريمة قبل التعرض لشرح دلالاتها العلمية..من أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا} [الفرقان: 48]: ذكر ابن كثير يرحمه الله مانصه:... وهذا أيضا من قدرته التامة وسلطانه العظيم، وهو أنه تعالى يرسل الرياح مبشرات، أي: بمجيء السحاب بعدها، والرياح أنواع: فمنها ما يثير السحاب، ومنها مايحمله، ومنها مايسوقه، ومنها مايكون بين يدي السحاب مبشرا، ومنها ما يلقح السحاب فيمطر، ولهذا قال تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا}.وذكر صاحبا تفسير الجلالين رحمهما الله مانصه: {وهو الذي أرسل الرياح} {نشرا بين يدي رحمته} متفرقة قدام المطر، وفي قراءة بسكون الشين تخفيفا، وفي أخري بسكونها وفتح النون مصدر، وفي أخري بشرا بسكونها وضم الموحدة بدل النون أي: مبشرات، ومفرد الأولي {نشور} كرسول، والأخيرة بشير كقدير، و{أنزلنا من السماء ماء طهورا مطهرا}.وذكر صاحب الظلال رحمه الله رحمة واسعة مانصه: والحياة علي هذه الأرض كلها تعيش علي ماء المطر، إما مباشرة، وإمابما ينشئه من جداول وأنهار علي سطح الأرض، ومن ينابيع وعيون وآبار من المياه الجوفية المتسربة إلي باطن الأرض منه، ولكن الذين يعيشون مباشرة علي المطر هم الذين يدركون رحمة الله الممثلة فيه إدراكا صحيحا كاملا، وهم يتطلعون إليه شاعرين بأن حياتهم كلها متوقفة عليه، وهم يترقبون الرياح التي يعرفونها تسوق السحب، ويستبشرون بها، ويحسون فيها رحمة الله- إن كانوا ممن شرح الله صدورهم للإيمان.والتعبير يبرز معني الطهارة والتطهير: {وأنزلنا من السماءماء طهورا} وهو بصدد ما بالماء من حياة.وذكر صاحب صفوة البيان لمعاني القرآن رحمه الله ما نصه: {بشرا} مبشرات بالغيث.وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه:وهو الذي سخر الرياح فتسوق السحب وتبشر الناس بالمطر الذي هو رحمة منه لهم، ولقد أنزلنا من السماء ماء طاهرا مطهرا مزيلا للأنجاس والأوساخ...وجاء في تعليق الخبراء العلميين بالهامش مايلي: وأنزلنا من السماء ماء طهورا: في هذه الآية الكريمة يمن الله تعالى علي البشر بإنزال الماء طاهرا إليهم من السماء، وتتضمن الآية الإشارة إلي أن ماء المطر عند بدء تكونه يكون في أعلي درجات النقاء، وعلي الرغم من أن حمله بعد ذلك مما في الجو من أجسام وذرات فإنه يكون في أعلي درجات الطهارة.وذكر صاحب صفوة التفاسير جزاه الله خيرا ما نصه: {وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته} أي: أرسل الرياح مبشرة بنزول الغيث والمطر، وأنزلنا من السماء ماء طهورا، أي: أنزلنا من السحاب الذي ساقته الرياح ماء طاهرا مطهرا تشربون وتتطهرون به، قال القرطبي: وصيغة {طهور} بناء مبالغة في طاهر فاقتضي أن يكون طاهرا مطهرا.
|